كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكذلك أبناء البنين يقومون مقام البنين في الحجب والميراث.
فلما عُدِم من يستحق منهنَّ السدس كان ذلك لبنت الابن وهي أولى بالسدس من الأخت الشقيقة للمتوفى.
على هذا جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين؛ إلا ما يروى عن أبي موسى وسليمان بن أبي ربيعة أن للبنت النصف، والنصف الثاني للأخت، ولا حَقَّ في ذلك لبنت الابن.
وقد صح عن أبي موسى ما يقتضي أنه رجع عن ذلك؛ رواه البخاري: حدّثنا آدم حدّثنا شعبة حدّثنا أبو قيس سمعت هُزيل بن شُرْحَبيل يقول؛ سُئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابنٍ وأخت.
فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف؛ وأتِ ابن مسعود فإنه سيتابعني.
فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللتُ إذّا وما أنا من المهتدين! أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت.
فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحِبر فيكم.
فإن كان مع بنت الابن أو بنات الابن ابنٌ في درجتها أو أسفل منها عصبها، فكان النصف الثاني بينهما، للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغ خلافًا لابن مسعود على ما تقدّم إذا استوفى بناتُ الصلب، أو بنتُ الصلب وبناتُ الابن الثلثين.
وكذلك يقول في الأخت لأب وأم، وأخوات وإخوة لأب: للأخت من الأب والأمّ النصف، والباقي للإخوة والأخوات، ما لم يصبهن من المقاسمة أكثر من السدس؛ فإن أصابهنّ أكثر من السدس أعطاهنّ السدس تكملة الثلثين، ولم يزدهنّ على ذلك. وبه قال أبو ثَوْر. اهـ.
قال القرطبي:
إذا مات الرجل وترك زوجته حُبلَى فإن المال يُوقف حتى يتبيّن ما تضع.
وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حُبلَى أن الولد الذي في بطنها يرث ويُورث إذا خرج حَيًا واستهل.
وقالوا جميعًا: إذا خرج ميتًا لم يرث؛ فإن خرج حيًا ولم يستهلّ فقالت طائفة: لا ميراث له وإن تحرك أو عَطَس ما لم يستهلّ.
هذا قول مالك والقاسم بن محمد وابن سيرين والشَّعبي والزُّهري وقَتادة.
وقالت طائفة: إذا عُرفت حياة المولود بتحريك أو صياح أو رضاع أو نَفَس فأحكامُه أحكامُ الحي.
هذا قول الشافعي وسفيان الثَّوري والأوزاعي.
قال ابن المنذر: الذي قاله الشافعي يحتمل النظر، غير أن الخبر يمنع منه وهو قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يُولد إلا نَخَسه الشيطان فيستهلّ صارخًا من نخْسة الشيطان إلا ابن مريم وأمَّه» وهذا خبر، ولا يقع على الخبر النسخ. اهـ.
قال القرطبي:
قوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ} أي لأبوي الميت.
وهذا كنايةٌ عن غير مذكور وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه؛ كقوله: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] و{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] و{السدس} رفع بالإبتداء، وما قبله خبره: وكذلك الثُّلثُ والسُّدُسُ.
وكذلك {نِصْفُ مَا تَرَكَ} وكذلك {فَلَكُمُ الربع}.
وكذلك {وَلَهُنَّ الربع}.
و{فَلَهُنَّ الثمن} وكذلك {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس}.
والأبوان تثنية الأب والأَبَة.
واستغنى بلفظ الأم عن أن يقال لها أبة.
ومن العرب من يجري المختلفين مجرى المتّفقين؛ فيغلب أحدهما على الآخر لخفته أو شهرته.
جاء ذلك مسموعًا في أسماء صالحة؛ كقولهم للأب والأم: أبوان.
وللشمس والقمر: القمران.
ولِلّيل والنهار: الملَوَان.
وكذلك العُمَران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
غلبّوا القمر على الشمس لخفة التذكير، وغلّبوا عُمَرَ على أبي بكر لأن أيام عمر امتدّت فاشتهرت.
ومن زعم أنه أراد بالعُمَرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز فليس قوله بشيء؛ لأنهم نطقوا بالعُمَرين قبل أن يروا عمر بن عبد العزيز.
قاله ابن الشَّجري.
ولم يدخل في قوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ} من علا من الأباء دخول من سفَل من الأبناء في قوله: {أَوْلاَدِكُمْ}، لأن قوله: {وَلأَبَوَيْهِ} لفظ مثنَّى لا يحتمل العموم والجمع أيضًا؛ بخلاف قوله: {أَوْلاَدِكُمْ}.
والدليل على صحة هذا قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث} والأمّ العليا جَدّة ولا يفرض لها الثلث بإجماع، فخروج الجدّة عن هذا اللفظ مقطوع به، وتناولُه للجَدّ مختلف فيه.
فممّن قال هو أبٌ وحَجَب به الإخوة أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك أيام حياته، واختلفوا في ذلك بعد وفاته؛ فَمِمّنْ قال إنه أبٌ ابنُ عباس وعبدُ الله ابن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة كلهم يجعلون الجَدّ عند عدم الأب كالأب سواء، يحجبون به الإخوة كلَّهم ولا يرثون معه شيئًا.
وقاله عطاء وطاوس والحسن وقتادة.
وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثَوْر وإسحاق.
والحجّة لهم قولهُ تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] {يابني آدَمَ} [الأعراف: 26]، وقوله عليه السلام: «يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميًا» وذهب علي بن أبي طالب وزيد وابن مسعود إلى توريث الجدّ مع الإخوة، ولا ينقص من الثلث مع الإخوة للأب والأم أو للأب إلا مع ذوي الفروض؛ فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئًا في قول زيد.
وهو قول مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي.
وكان علي يُشرك بين الإخوة والجَدّ إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئًا مع ذوي الفرائض وغيرهم.
وهو قول ابن أبي لَيلى وطائفة.
وأجمع العلماء على أن الجَدّ لا يرث مع الأب وأن الابن يحجب أباه.
وأنزلوا الجَدّ بمنزلة الأب في الحجب والميراث إذا لم يترك المتوفى أبًا أقرب منه في جميع المواضع.
وذهب الجمهور إلى أن الجَدّ يُسقط بني الإخوة من الميراث؛ إلا ما رُوي عن الشَّعبي عن علي أنه أجرى بني الإخوة في المقاسمة مجرى الإخوة.
والحجّة لقول الجمهور أن هذا ذَكَرٌ لا يعصّب أخته فلا يقاسم الجدّ كالعمّ وابن العمّ.
قال الشعبي: أوّل جدّ وُرِّث في الإسلام عُمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ مات ابن لعاصم بن عمر وترك أخوين فأراد عمر أن يستأثر بما له فاستشار عليًا وزيدا في ذلك فمَثّلا له مثلا فقال: لولا أنّ رأيكما اجتمع ما رأيت أن يكون ابني ولا أكون أباه.
روى الدَّارَقُطْني عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب استأذن عليه يومًا فأذن له، ورأسه في يد جارية له تُرَجِّله، فنزع رأسه؛ فقال له عمر: دعها ترجِّلك.
فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي جئتُك.
فقال عمر: إنما الحاجة لي، إني جئتك لتنظر في أمر الجَدّ.
فقال زيد: لا والله! ما تقول فيه.
فقال عمر: ليس هو بِوَحيٍ حتى نزيد فيه وننقص، إنما هو شيء تراه، فإن رأيته وافقني تبعته، وإلا لم يكن عليك فيه شيء.
فأبى زيد، فخرج مُغْضَبًا وقال: قد جئتك وأنا أظن ستفرغ من حاجتي.
ثم أتاه مرّة أخرى في الساعة التي أتاه في المرّة الأولى.
فلم يزل به حتى قال: فسأكتب لك فيه.
فكتبه في قطعة قَتَب وضرب له مثلًا.
إنما مثلُه مثلُ شجرة تنبت على ساق واحدة.
فخرج فيها غصن ثم خرج في غصن غصنٌ آخر؛ فالساق يسقي الغصن، فإن قطعت الغصن الأوّل رجع الماء إلى الغصن، وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأوّل.
فأتى به فخطب الناس عمرُ ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال: إن زيد بن ثابت قد قال في الجَدّ قولًا وقد أمضيته.
قال: وكان عمر أوّلَ جدّ كان؛ فأراد أن يأخذ المال كلَّه، مالَ ابن ابنه دون إخوته، فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأما الجَدّة فأجمع أهل العلم على أن للجَدّة السدس إذا لم يكن للميّت أمّ.
وأجمعوا على أن الأمّ تحجب أمّها وأم الأب.
وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أمّ الأمّ.
واختلفوا في توريث الجَدّة وابنُها حي فقالت طائفة: لا ترث الجدّة وابنها حي.
رُوي عن زيد بن ثابت وعثمان وعلي.
وبه قال مالك والثَّوْري والأوزاعي وأبو ثَوْر وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: ترث الجدّة مع ابنها.
رُوي عن عمر وابن مسعود وعثمان وعلي وأبي موسى الأشعري، وقال به شُريح وجابر بن زيد وعبيدالله بن الحسن وُشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر.
وقال: كما أن الجدّ لا يحجبه إلا الأب كذلك الجدّة لا يحجبها إلا الأم.
وروى الترمذي عن عبد الله قال في الجدّة مع ابنها: إنها أوّل جدّة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا مع ابنها وابُنها حي.
والله أعلم.
واختلف العلماء في توريث الجَدّات؛ فقال مالك: لا يرث إلا جدّتان، أُم أُمٍّ وأم أبٍ وأمهاتهما.
وكذلك روى أبو ثَوْر عن الشافعي، قال به جماعة من التابعين.
فإن انفردت إحداهما فالسّدسُ لها، وإن اجتمعتا وقرابتُهما سواء فالسدس بينهما.
وكذلك إن كَثُرْن إذا تساوَينْ في القُعْدُد؛ وهذا كله مجمع عليه.
فإن قَربُت التي مِن قَبلِ الأم كان لها السدس دون غيرها، وإن قَرُبت التي من قِبَل الأب كان بينها وبين التي من قبل الأم وإن بعدت.
ولا ترث إلا جدّة واحدة من قبل الأم.
ولا ترث الجدّةُ أمُّ أب الأمّ على حال.
هذا مذهب زيد بن ثابت، وهو أثبت ما رُوي عنه في ذلك.
وهو قول مالك وأهل المدينة.
وقيل: إن الجَداتِ أمهاتٌ؛ فإذا اجتمعن فالسدس لأقربهن؛ كما أن الآباء إذا اجتمعوا كان أحقهم بالميراث أقربهم؛ فكذلك البنون والإخوة، وبنو الإخوة وبنو العمّ إذا اجتمعوا كان أحقهم بالميراث أقربهم؛ فكذلك الأمهات.
قال ابن المنذر: وهذا أصح، وبه أقول.
وكان الأوزاعي يورّث ثلاث جدّاتٍ: واحدةً مِن قِبَل الأمّ واثنتين من قبل الأب.
وهو قول أحمد بن حنبل؛ رواه الدَّراقُطني عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرْسلًا.
وروي عن زيد بن ثابت عكس هذا؛ أنه كان يورّث ثلاث جدّات: اثنتين من جهة الأم وواحدة مِن قِبل الأب.
وقول علي رضي الله عنه كقول زيد هذا.
وكانا يجعلان السدس لأقربهما، من قبل الأم كانت أو من قِبل الأب.
ولا يَشْرَكُها فيه من ليس في قُعْدُدِها؛ وبه يقول الثَّوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثوْر.
وأما عبد الله بن مسعود وابنُ عباس فكانا يورّثان الجدّات الأربع؛ وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد.
قال ابن المنذر: وكل جَدّة إذا نسبت إلى المُتَوفَّى وقع في نسبها أب بين أمّين فليست ترث، في قول كل من يُحْفظ عنه من أهل العلم. اهـ. بتصرف يسير.